الفردُ و الحبُ

مشكلة الفرد
"مرت ثلاثة و عشرين سنة من حياتي و  لا زلت صغيرا، بيد أنني تعلمت ما يجعلني أسائل القادم من حياتي و بجرأة: ما الذي يستحق أن أعيشه في أيامي القادمة، سنواتي و العقود...؟
تعلمت أن الناس تستطيع أن تعيش أكثر من أربعين سنة ليس لأنها تقاوم أو لأنها تتحمل أعباء هذه الحياة، بل لأنها نكرة، تنسى بسهولة، تخدع نفسها، لا تواجه أبدا واقعها...
وُهبت عقولها للآلهة و الخرافات، وُهبت قوتها "للأسياد"، فُرضت على حياتها الفردانية/ حياة المجتمع. أنتَ لست قويا ما دمت تقاوم، إنك فقط تقاوم ما دمت تقاوم... و ما دمت تتحمل عبء الحياة بكل تعاستها الاجتماعية، الفكرية و الفنية، فأنت تبني ذاتا مغتربة، تحرقك أكثر مما يمكن للنار أن تفعله بك في نهر من الجحيم، و  ما دمت تعرف ذاتك، فأنت تفقد سلامتك، تفقد وهم العالم السعيد بداخلك، وحده الانتحار أو الجنون سيجعلك تتخلص منك. 
هذا كله، ليس لأن المشكلة مشكلتك كفرد، لقد اخترت أن تكون متمردا، تشق طريقك و تنير العالم بضيائك... المشكلة مشكلة العالم بأنظمته الاجتماعية و الاقتصادية، كن عاملا أو سنجعل الجميع يرفضك، يهمشك، يشعرك بأنك لا تنتمي لهذا العالم... تبقى وحيدا، حتى تموت وحيدا، و ذكراك الحزينة، لا قيمة لها، فالناس لا تتذكر إلا الأشياء السعيدة. حينما كنت صبيا، كنت أحب الحياة، و أنا أكبر، اكتشفت أنني كنت أحب حياة الأطفال، أما الكبار فلا حيوات لهم."
قالت نفسه، و كم كان مندهشا لكم هي وقحة في صراحتها. تناسى الفتى صوت فردانيته، فحتما تريده مجنونا/ منتحرا! لا ، أبدا لا إنه يحب أن يخدم وطنه و يكون رجلا نظاميا، إصلاحيا، لا حياة له كجميع القرابين الإنسانية.

مشكلة الحب
كل الأشخاص الذين عرفتهم و أعرفهم و سأعرفهم، جميعهم ليسوا إلى سرابا، خيالا، وهما عشته أعيشه و سأبقى أعيشه حتى أموت.
لا أقول أن كل الأغيار لا وجود واقعي لهم، إنني أقول أن كل الأغيار الذين أعرفهم لا وجود لهم بداخلي!
و بهذا، إذا كنت تظن أنني صديقك، إذا كنت تعتقد أنك تحبني، إذا كنت تفكر في أنني أمثل علاقة اجتماعية جيدة تعيشها بفضلي... فاعلم أنك بداخلي لست إلا فكرة فضفاضة تراودني منذ اليقظة حتى وقت النوم، يمكن أن أعبر عنها في العبارة التالية: " أنت مصدر قلقي و مصدر جنوني.."
فكر في الأمر أنت أيضا! حاول أن ترى الآخرين: كيف هم مصدر قلق لك و مصدر جنون؟ ألا يجب أن تبتعد؟ ألا يجب أن تنعزل؟ ألا يجب أن تقول لا للتفاعل الاجتماعي؟ ألا يجب أن تحيا وحيدا و تموت وحيدا؟ أليس كذلك؟ أجل! و هذا هو منبع الحب.من إرادتنا في الهروب و العزلة و الابتعاد عن كل شيء بدأت قصة الحب، فالغير كيفما كان، ليس إلا سرابا و خيالا و وهما يقلقنا يشعرنا بالجنون... و لأن كل واحد منا يعيش القلق و الجنون و محاط بالسراب و الوهم و الخيال، فلا نجدة له إلا بالحب.
إن الحب هو منقذنا جميعا من أنفسنا و من الآخرين. إن الحب هو نافذتنا حول ما بعد الخيال! مابعد السراب! مابعد الوهم! ما بعد القلق! ما بعد الجنون....
لكننا لا نحب بعضنا البعض! إننا نحب أنفسنا عن طريق الآخرين و الآخرون يحبون أنفسهم عن طريقنا... 
و هنا تكمن مشكلة هذا الحب! إنه لا يجمعنا بقدر ما يتيح لنا الفرصة لكي نكون غرباء عن بعضنا البعض و نحن في أحضان بعضنا البعض.
ك.ج