اختراق جدار الأغيار ( قصة قصيرة)
اختراق جدار الأغيار
كان يائسا و أصبح متفائلا، مليئة نفسه بإحساس الغد. كيف وقع هذا؟
لقد التق فجأة بشخص حاوره أكثر مما حاور نفسه وحيدا لمدة طويلة.
كانت المقهى مكتظة بالناس، حتى الموسيقى بصخبها أصبحت حشدا رمزيا! إنه
هنالك، على الأريكة، أمامه الطاولة التي حملت على سطحها حاسوبه الصغير، أوراقه و
فنجان القهوة الذي كان يرتشف منه بين الفينة و الأخرى.
لقد أراد التحدث مع شخص ما! لكنه لا يستطيع الارتماء على أحد، هنا كل الناس
غرباء لا يكترثون للغرباء.
الزاوية التي كان يجلس فيها تمده برؤية شاملة لفضاء المقهى، يرى الذين للتو
جاؤوا، للتو ذهبوا و الذين لا يزالون في أماكنهم قابعين لا يتحركون.
لقد كان أفضل من الناَدليَن الشابين المرفرفين كفراشتين نشيطتين هنا و هنالك، إنه يفهم جيدا النمط الذي تسير
عليه
الحياة هنا.
فجأة تدخلُ فتاة غريبة الطباع، السيجارة بين شفتيها كدخان حريق
داخلي مقيم فيها لسنوات طويلة! لا تعرف أحدا هنا، تتحرك بحثا عن مصدر الكهرباء!
إنها هنا لتشتغل على حاسوبها و تقرأ مضامين أوراقها المشتتة.
بعد لحظات وجدت ركنها المراد، لقد كان بجانبها، حيث استطاع أخيرا أن يُشغل
عقله بإنسان وسط كل هذه الحشود، إنه لا يستطيع الارتماء عليها كما لا يستطيع إبعاد
تفكيره عن التفكير فيها، لا يمكن فهمها بهذه السرعة كما مؤكد أن محاورتها ستكون
غنية جدا بالأفكار.
لم يكن الحل إلا في الكتابة، إنه يجيد التخايل و السفر عبر الأبعاد، اختراق
جدار الأغيار.
ـ هو : مرحبا آنسة! من فضلك، هل تستطيعين مشاركتي سيجارة! لقد دخنت كل
سجائري، و إنني لمتعب جدا و مرهق، لا أستطيع الخروج بحثا عن واحدة لأشتريها.
ـ هي: على الرحب و السعة سيدي، تفضل..
ـ هو: شكرا جزيلا! إنها رائعة! هل أستطيع تدخينها برفقتك؟
ـ هي: تفضل!
ـ هو: يا لِ"هنا"! الضجة و الغربة...
ـ هي: فعلا! هذا يزعجني أيضا، لكن لابد من التأقلم من أجل تحقيق الهدف الذي
دفع كل واحد إلى التواجد هنا...
ـ هو: الهدف؟
ـ هي: أجل، كهدفي من التواجد هنا مثلا...
ـ هو: أنت هنا من أجل حاسوبك و أوراقك! عقلك رغم ذلك يعيش هنا بطريقة
مختلفة...!
ـ هي: صحيح! و أنت هنا بحثا عن شخص تبادله حديثا مختلفا! ترتسم على
ملامحك أفكار مثيرة يا سيدي! لقد أثرت انتباهي مسبقا...
ـ هو: لكن، هنا، الغرباء غالبا ما لا يرتمون على الغرباء...
ـ هي (ضاحكة): إلا من أجل سيجارة ...
ـ هو: حقا و هاهيَ السيجارة انتهت ( أطفأها) و من المفروض أن أتركك تقومين
بعملك...
ـ هي : شكرا على لطافتك! غير أنني أحب التحدث معك اكثر!
ـ هو: و أنا أيضا! أعتقد أن "اليأس" الذي يقدر على هزيمة الفرد و
هو وحيد، يختفي بمرة حينما يتفاعل الفرد عينه مع غير يقرأ الملامح بشكل جيد، إن الحديث
معك زراعة للأمل..
ـ هي: ذلك " اليأس" يهزمني في وحدتي أيضا! و الحديث معك بلا شك
زراعة للأمل...
عم صمت غريب بينهما، مدته بسيجارة ثانية، ابتسما معا و انتشر الدخان
بينهما للحظات طويلة...
ك.ج