اعتراف رجل معاصر: قصتان قصيرتان جدا
الاغتراب
حلَ الصباح و أنشدت العصافير فصاح الديك، توا عم الصمت في المدينة. الجميع نائم و لا يتمشى في الشوارع سوى قطط الصباح المُغتربة ، و كقط مغترب متسكعا الأزقة أتسكع بين الأفكار ، هو يبحث عن قوت الصباح ليبدأ يومه نشطا قويا، و أنا أتسكع بين أفكاري باحثا عن واحدة تمدني السكينة، لأستطيع النوم، فلا طاقة عندي لمواجهة النهار. إن نهار مجموعة من القطط ليس خانقا كنهار مجتمع من الأفراد تربطهم عادات و قوانين و أفكار و عواطف...
فتحت نافذتي و أشعلت سيجارة و في الآن ظهر لي قط رمادي اللون يتمشى في الزنقة، يتبع الروائح و بقايا الطعام. فكرت في الأمر حتى تذكرت أنَني أيضا أتبع روائح الحياة و بقايا أطعمتها، أن عندي موعد في الساعة التاسعة صباحا، و يجب أن أكون في المقهى منتصف النهار، و أذهب بعد ذلك للمكتبة حتى يحل المساء.
كانت ليلة بيضاء، و رغم ذلك، لا بد من أن أكون اجتماعيا، فتلك هي طبيعتي كما للقط طبيعته.
استحممت كالاله غافرا لعقلي ذنوب أفكاره، و خرجت من المنزل شابا يافعا مليئا بالنشاط.
لن أعود للمنزل إلا حينما تنتشر الظلمة في أنحاء المدينة، و أعرف يقينا أنني سأفكر في مشكلة القط مجددا و ربما إلى الأبد.
التيه
كنت أتمشى شارد الذهن، حتى نسيت أنني أتمشى، نسيت إلى أين أنا ذاهب أو متى يجب أن أتوقف عن المشي، شردت جدا و حينما استيقظت من شرودي وجدت نفسي قطعت أميالا بل مسافات طويلة جدا، لقد اعتبرني كل من لاقاني أحمقا أو مجنونا...
عبرت حدود الدول دون أن يكترث لي أحد. بخلاصة وجدت نفسي في أقصى جنوب القارة الإفريقية: أمامي المحيط و ورائي قارة كاملة. و في ماذا كنت شاردا أصلا؟ الحقيقة، لقد ذهب عقلي بعيدا حتى اعتقد أنني ميت و بلا أبعاد... صرت آنذاك مجنونا و أحمقا، تقبلت الأمر ورميت بنفسي في المحيط.
و منذ ذلك الحين نسيت كل شيء..ربما أكلني قرش أو ربما مت غرقا، أو ربما نجوت و أنا أعيش حياة أخرى في مكان ما...
لا أحد يدري فكل شيء ممكن، و لا يمكن التحكم في ما يستطيع الوعي القيام به إن حصل و تمرد على تمثلاتك لنفسك.
ك.ج