الندم: ما تتعلمه الإنسانية من تجاربها

العالم و الوجود، مأساة الحضارة..
هنالك خطأ واحد تقوم به البشرية دائما، يجعلها ضعيفة باستمرار، يدفعها في كل مرة إلى الابتعاد من قيمتها الخالدة في هذا الوجود، إنه عدم إرادتها في رؤية نفسها بالطريقة المسؤولة في الحاضر.
 تغرق نفسها بنفسها في وحل التجارب التي تخوضها دون وعي، تندفع غرقا حتى تصل إلى القاع و تصرخ بصمت:" يا للندم، لكن الأوان قد فات" و في صوت مسموع تحاول أن تتحدث بهدوء:" هكذا الحياة، عابثة، و ما نحن إلا كائنات نعيش تحت قوة الإكراهات" فتستسلم و تجعل ضعفها فيها يتسع أكثر و أكثر، و تستمر في هذا الوضع مع كل مرحة تعيشها في روح الأجيال المتراكمة على هذه الأرض، تعيش الأجيال مرحلتها بقليل من السعادة، و الكثير من الندم يملأ كيانها فتموت.
دائما ما يولد في حضن هذه الأرض كائنات إنسانية حرة، تفهم هذا الوضع بليونة ذكاءها و قوة إرادتها التي تبدو في مظهرها بالنسبة للعالم جنونا أو مرضا، تحاول هذه الأرواح الزرقاء الحرة المناداة بالتسامي على هذه التجارب الواهية، المناداة بالحب و مشرعة الوجود البشري بالمسؤولية و الالتزام.
لو أن العالم استطاع أن يزيل من أمام عينيه خلفية العبث و الضعف، هذه النظرة الساحرة، التي تخدعه بل تجعله جامدا لا يتحرك إلا كبيدق على لوحة شطرنج، لرأى حقيقة الحياة المليئة بالحب و المسؤولية و الشجاعة القوية من أجل تحدي هذا العمق الإنساني الفارغ من ماء حي، ثم ملأه بشتى أنواع و أشكال إرادة الإنسان الحرة.
يستطيع كل إنسان أن يتمرد على وهم الإنسان داخله، يستطيع أن يطير بجناح الحرية و السمو إلى أعالي الوجود الراقي، حيث يكون كائنا قويا و خالدا، مليء عقله المفكر بالمنطق الموضوعي، و ممتلئ فؤاده الجميل بطاقة الحب المتجددة و المتطورة.
أنا و الوجود، مشروع حب متحرر..
كم أراني قويا و أنا في خضم مواجهة واقع هذه الحياة، حيث لا أقدر و لو لحظة على تحمل انتشالي من ماهيتي الكونية، و محاولات المجتمع المتظاهر جلاءً و بقوة  حتى في لاشعوري، يأمرني بلغته الساحرة بأن أنضبط و أرمي بنفسي في حضن الحياة، أن أستمتع بجل هذه التجارب التي استمتع بها كل إنسان على هذا الأرض، لكنني أحاول و بقوة أيضا أن أخبره أن هذا كله ليس إلا وحلا، سأقول في الأخير بأنني نادم و قد فات الأوان، هذه العبارة التي تصعق حضن الحياة ، تكشف حقيقة مأساته، يريد أن يقضي عليَ، لكنني أهرب بعيدا نحو التلاشي، فما على الكائن الحر العاشق المتمرد أن يفعل داخل هذه اللعنة البشرية التي لم تعط أي اهتمام لقوله و محاولاته إلا أن يتلاشى و بقوة في أعماق هذا الوجود، متفائلا بأن يكون قد ترك وراءه أثرا للسمو سيفهمه عاشقين فيعيشان عليه بحرية و محبة، ستسير عليه جماعة بشر، محاولة أن تحقق على هذه الأرض أشياء جديدة تغير العالم من وضعية الضعف إلى حالة من السمو القوي، يجعل التاريخ  الكوني يحكي عنها قائلا: "لقد حاول الإنسان أن لا يندم، و بما أنه حاول فلن يندم."
حينما تحب أحدا بقوة و عمق، حتى أن يظهر له هذا الحب أبعد من الواقع، فيحاول الابتعاد بجبن إلى حضن الحياة دون أن يستمع و لو لحظة إلى نداء الكون داخله، ينسى كل شيء في وهلة، و تملأ ذاكرته كل أصوات الحياة الضجة بأحلام و رغبات متكسرة من جذورها.
كلمات أخيرة
إن الإنسان، أي إنسان، ولد كي يستفيد من الفضول و الشغف داخله في اكتشاف العالم خارجه، لم نولد كي نسير كالآخرين، نفهم ما يفهمه الأخرون، نحب ما يحبه الآخرون، نكره ما يكره الآخرون بل نتعلم ما يتعلمه الآخرون، متشابهين نصبح، أليس هكذا تتوسع المأساة؟ بأن نكون متشابهين كقطيع متشرد.
لا يجب أن نتعلم من تجاربنا الندم، يجب أن نخطط لما نريد أن نفعل، إن اكتشاف أنفسنا و الكون، ليس أمرا اعتباطيا فوضويا، كل جيل يتخبط فيه كما يريد، إن التاريخ لا يبنى بالفوضى.
ك.ج