المشاركات

عرض المشاركات من يوليو, 2025

حواريات مارتن و كارل: أن تنقذ العالم بقنينة وسجارة

صورة
المكان: شقة صغيرة في طنجة. الساعة تقترب من منتصف الليل . الجوّ خانق، المروحة تصدر صوتاً كأنها تنبح ببطء .  كارل يدخل بكتفه المائل ونظرة تشبه إشعار إلهامٍ وصل متأخراً. مارتن (يقلّب الدجاج بالبصل بحركة بطيئة، دون أن ينظر) : أعدت ...  أجزم أنك حصلت على ما تبحث عنه . كارل (يضع كيسه الصغير الأبيض على الطاولة، وكأنه يضع حمولةَ عمر) : أجل فعلت .  كوبان من الشوق، رشّة ندم، وسطور بيضاء تهمس لي أنني عبقري مؤجل . مارتن (يشير إلى الطاولة حيث البيرة تبرد مثل ضمير مهمل) : وأنا بدوري أعددت لك طبقك المفضل، دجاج بالبصل والنسيان ...  يُقدّم مع جانب من الحنين إلى مشاريع لم نكملها . كارل (يضحك بخفّة المتعب) : جميل .  العشاء المثالي :  طعام ثقيل، وسؤال خفيف :  هل ستكمل مشروعك في العطلة أم ستكتفي بالشعور بالذنب؟ مارتن (بهدوء من جرّب الفشل أكثر مما جرّب البهارات) : الذنب وجبة قابلة للتسخين دائماً .  لكن الشغف؟ ينطفئ مثل شمعة في غرفة بها مروحة على السرعة ثلاثة . كارل (يجلس على الأرض ويسند ظهره إلى الحائط كمن قرر الاستسلام بعناية) : أتع...

حواريات مارتن و كارل:مشروع عظيم... بعد القيلولة

صورة
المكان : طنجة. شرفة شقة في الطابق الثالث. البحر أمامهما، لكنه لا يتدخل . الوقت : الخامسة مساءً. المغرب يتثاءب. الفكرة العظيمة التي كانت ستغيّر العالم تذوب في كأس شاي ثالث بلا سكر . مارتن (مُتكوّم على كرسي بلاستيك مائل، يتأمل البحر كما لو كان ينوي ضربه) : كتبتُ اليوم مقدّمة مشروع رقمي سيحدث ثورة في التعليم ... ثم شعرت بالجوع، فطبخت عدساً… ثم نمت . استيقظت، نسيت المشروع … وتذكّرت العدس . كارل (يلفّ غطاء خفيف على كتفيه، ويهز رأسه بأسى يليق بقدّيس خائب) : أنا قررتُ أن أبدأ بودكاست فلسفي بعنوان "كلمات غير مريحة … " سجّلت المقدمة سبع مرات، ثم علقت في اختيار الموسيقى . هل أختار تشيلو أم بيانو؟ ثم فكرت: “من سيستمع أصلاً؟ ” فأطفأت كل شيء، وفتحت إنستغرام أراقب الناس الذين لم يسألوا أنفسهم شيئاً أبداً، ورغم ذلك… ينامون جيداً . مارتن (يضحك بمرارة) : كلنا نحمل بداخلنا "مشروعاً عظيماً " … لكننا نحتفظ به مثل حذاء أنيق، نلبسه فقط في خيالنا . في الواقع، نمشي حفاة على سجّادة الأعذار . كارل (يميل برأسه نحو البحر، وكأنه يحدثه سرًّا) : أتعرف؟ أنا لا أملّ م...

حواريات مارتن و كارل: الجامعة التي نسيت أن تُحبّنا

صورة
  في مساء رمادي بمدينة الرباط، حيث الغيم يهبط مثل توقعات بلد حول عاصمته، يجلس مارتن في مقهى بأكدال حوله طلاب متفرقون، يحملون كتباً بأغلفة باهتة وهواتف محمولة مليئة بالضجيج...يدخل كارل، يحمل في يده كتاباً لميخائيل نعيمة، وعلى وجهه ابتسامة تائهة . كارل (جالساً بلا دعوة) : الغريب في الأمر يا مارتن، أن الذين يبحثون عن معنى لحياتهم يُتّهمون بالترف الفكري . وكأن الأسئلة الكبرى حكر على من شبع . مارتن (ينظر إليه، متعب الوجه، مشوش النظرة) : ربما لأن الجوع لا يترك فراغاً في النفس إلا لطلب الخبز . لكنني شبعان اليوم، ومع ذلك أحس أنني أجوف . كلما فتحت كتاباً علمياً أو حضرت محاضرة، شعرت أن شيئاً ما لا يُقال... شيء ضروري، كالماء . كارل (يربت على الطاولة بإيقاع لا واعٍ) : أتعرف ما المشكلة؟ أن الجامعات تُعلّمنا كيف ننجح، لا كيف نحيا . كيف نحل المعادلات، لا كيف نعيش التناقض . كيف نُنتج، لا كيف نُحب . وأسوأ من ذلك، تعلّمنا أن المعنى يأتي بعد نيل الدبلوم، بعد الترقية، بعد الاستقرار ... لكن الحقيقة؟ المعنى لا يأتي. نحن من نصنعه . مارتن (بصوت خافت) : في المغرب، يا كارل، كم شابا...

حواريات مارتن و كارل: من حلمي أبدأ

صورة
مونودراما بفصلين ونصف بطولة: كارل، مارتن، وكوب قهوة لا رأي له . المكان مقهى في قلب طنجة، تُديره ذاكرة قديمة، تملأه كراسٍ عرجاء وصمتٌ يُقطّع بالملعقة . الزمن منتصف الأسبوع، بين نشرة أخبار قاتمة وبلاغ وزاري يُعلن انتصار التكرار . الشخصيات كارل – المهندس البيداغوجي الذي يرى في الطفل احتمال معجزة مؤجلة . مارتن – واقعي كحجر، ساخر كمذيع نشرة اقتصادية، خبير في "توقع الفشل منذ 1994 ". مارتن :  يدخل كمن اقتحم نقاشًا وجوديًا بنعلٍ مبتل .   هاه ! ها أنا أعود لأجدك تحاور المنديل، ترسم دوائر في الهواء، وتخط على السكر رؤى تربوية . هل بدأت رسميًا مشروعك لتربية الأشباح؟ كارل : يبتسم بلطف بل مشروع لتربية الحُلم، يا مارتن . مشروع يبدأ من أول حرف يُكتَب لا ليُحفظ… بل ليُصدَّق . مارتن : يسحب كرسياً بنَفَس ساخط يا صديقي، الطفل في بلداننا لا يُمنح "مشروعًا"، بل يُمنح "كراسًا كبيرًا" وعقوبة صغيرة ... وأنت تتحدث عن مشروع...ذكريني بإسمه؟ آه...من حلمي أبدأ..صندوق مالي لمشاريع تعلم الأطفال؟ طريقة ما بعد التربية الحديثة في تلقين المعارف؟ كل هذه ال...

طفل العالم

صورة
  لطالما تساءلت عن المغزى الحقيقي من تنشئة الأطفال ،  وسؤال من هذا النوع ليس بالهيّن، خاصة حين يتداخل فيه ما هو شخصي بما هو معرفي، وما هو عاطفي بما هو فلسفي . وقد يبدو غريبًا أن أطرح هذا التساؤل رغم دراستي لعلوم التربية، وتخصصي فيها، وممارستي المتواضعة في مجال التعلم والتكوين . لكن، وعلى عكس ما يُفترض، لم تقُدني كل تلك القراءات والممارسات إلى جواب نهائي. بل قادتني إلى مزيد من الشك، ومزيد من الرغبة في تفكيك المعطى التربوي نفسه، في عمقه ومغزاه . لطالما شعرت أن التنشئة الاجتماعية، كما تُمارَس في أغلب المجتمعات، لا تنبع من حبّ الطفل بل من الخوف عليه؛  ولا تُبنى على احترام إنسانيته بل على رغبة دفينة في تشكيله كما نريد نحن، كما يتوقع المجتمع، كما يفرض الدين، كما تملي الأعراف، كما تقتضي "النجاعة الاقتصادية ". ويبدو أن المنظور السوسيولوجي، بقدر ما كان مفيدًا في تفكيك آليات التنشئة، إلا أنه بقي حبيسًا في إطار إعادة الإنتاج الثقافي: أي أن التربية ليست سوى وسيلة لنقل ثقافة الجماعة للأجيال الصاعدة، لضمان استمراريتها . لكن أليس في هذا المعطى خطر كبير؟   أليس في ذلك تسليعً...