البالون الذي أفلت مني
تمثلين للحياة في حياة واحدة، كأنني أحمل في داخلي مدينتين متناقضتين: واحدة هادئة، طرقها مستقيمة، مصابيحها منظمة، يحكمها عقل يهوى الجداول والتقويمات، يعيش على رتابة رتيبة كأنها موسيقى خلفية لا تنتهي، وأخرى صاخبة، ضاجة بالأسواق والأنوار، تحكمها عاطفة لا تعرف الحدود، تركض في الشوارع حافية القدمين، تريد أن تكون في كل مكان دفعة واحدة، لا تهدأ ولا تكف عن المطالبة بالمزيد. وبين المدينتين، يقف جسدي مثل عامل مطحون يجر العربة بين السوق والمكتب، مرهقًا من الطلبات المتناقضة، فاقدًا لأي عطلة أو مكافأة، مجرد ترس في ماكينة داخلية لا يعرف أحد كيف تعمل. أما أنا فأشعر أنني لست ساكنًا في أي منهما، بل مجرد غريب يطل من نافذة، متفرج على مسرحية عبثية يؤديها ممثلون بلا نص واضح . صارت الأيام عندي نسخًا كربونية، تتوالى مثل أوراق متكررة في ملف قديم: تاريخ مختلف، توقيع مختلف، لكن الختم نفسه حاضر في الزاوية العليا: "ارتباك". أسأل نفسي كل يوم: من الأجدر أن يقودني؟ العقل الذي يزهو بنظامه، أم العاطفة التي تهتف بالحرية؟ وفي كل مرة أظن أنني وجدت الإجابة، أكتشف أنني محامٍ يترافع ضد نفسه في محكمة بلا قضاة ول...