تمارين في الحرية
مع كل يومٍ جديد، أشعر أنني أتعلم من الحياة أكثر مما كنت أظن، لكنّها دروس لا تُشبه التعليم القديم، لا تُلقَّن من الخارج بل تتكوَّن في الداخل، كأنها تُكتَب في الصمت، حين يتوقّف المرء عن الركض ويبدأ بالإنصات . أكتشف أن الحياة لم تتغيّر يومًا، وأنها ليست غامضة كما توهّمت، بل أنا من تغيّرت، أنا من ابتعدت عنها، وانسحبت من دفئها دون أن أدرك . كأنني كنت أعيش على ضفّةٍ بعيدةٍ منها، أراقبها بعين ناقدةٍ لا بعينٍ عاشقة، أفتّش فيها عن المعنى بدل أن أعيشه، أبحث عن اليقين بدل أن أختبره . أحيانًا أقول لنفسي: لم تهرب الحياة منّي، بل أنا من هربتُ منها. ركضتُ خلف أفكارٍ مجرّدةٍ، تصوّراتٍ مثاليةٍ عن الكمال والصفاء، وظننت أن الحقيقة تُوجد في البُعد، في الانعزال، في الهروب من «العادي ». لكنّ العادي كان هو الحياة نفسها، وكان عليّ أن أتعلم أن البساطة ليست ضد العمق، بل طريقٌ إليه . كم من مرة قرأت كتبًا تتحدّث عن الوعي والحرية والذات، وكنت أظن أنني أفهمها! واليوم فقط أدرك أن الفهم لا يتحقق بالقراءة، بل بالعبور: أن تمشي وسط الحياة، أن تتألم وتخطئ وتضيع وتنهض، عندها فقط تبدأ بالمعرفة الحقيقية . ...