المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, 2019

سبتمبر: شهر الخريف و مشكلة البدايات

صورة
غدا ستشرق الشمس كما اعتدتُ شروقها منذ ولادتي، ضوء بسيط وغني بالفرحة يوقظ كل الطيور بنفس مرح يجعلها تغرد وتطير سعيدة تحتفل بالشهر التاسع، شهر سبتمبر. لست طائرا، لكنني مثل كل الطيور، غدا سأحتفل وأطير، لأن هذا الشهر شهر البدايات، الأحلام وكل الأمنيات، شهر الأمل والإحساس الراقي بمعنى الحياة، أو بالأحرى معنى الخريف. في الحقيقة، إن حياة الفرد لا فرق بينها وبين خريفه، فحياة الفرد هي ذاتها خريفه، وأسعد فرد هو الذي اكتشف معنى خريفه، واكتشاف معنى الخريف يبدأ بالاحتفال بشهر البدايات، شهر سبتمبر. في هذا الشهر، ستهب الرياح، ستتساقط الأوراق، ستصفر الحياة وسيبدو منظر كل شيء كأنه تائه تتلاعب به الفوضى، تجعله يرقص على ألحان غامضة ربما هي ألحان الشتاء القادم أو ألحان الركود المختفي في حافة الكون أو بعبارة مجازية: ألحان الانحدار التي ستجري كنهر عنيف في عاطفة كل فرد، بل في أفكاره وتهيؤاته. إن لحن الانحدار هو لحن الخريف، لحن مشكلة البداية ولحن المواجهة بين طريقين: طريق ولادة جديدة واستعداد لشتاء قديم أو طريق موت قديم خالد دائم وانتظار شتاء أصبح بالعادة تعريفا لهوية الإنسان النفسية، هوية الاست...

قوة الخيال

صورة
إن الإنسان والخيال شيء واحد، بل إن جوهر الفرد خياله، فكلما كان الفرد خياله كلما اتسعت ذاته وتحملت جنون الحياة والوهم الذي يعتريها، الوهم الذي يتجلى في جمالها، عنفها والقساوة التي ترمي بالفرد منذ ولادته حتى مماته لأن يكون شيئا آخر غير ذاته، أن يكون في ذاته ذات كل شيء. الإنسان كائن يحب التَخيل، يحبُ كل شيء بعيد عن مجاله ومتناوله، ومغرم بكل ما هو مستحيل، وهذا هو طبع الحياة التي تحتضنه، تُحييه وتُميته، إن أنفاسها تذهب إلى حافة البُعد وتخفي من المستحيلات أكثر مما تُظهر من الممكنات. لا تكفي حياة فرد واحد لكي يكتمل معنى الخيال، لذلك يتراكم الأفراد واحدا تلو الآخر، تجربة تلو الأخرى، مجتمع تلو الآخر، تاريخ على تاريخ، خيال على خيال، كل هذا أملا في أن تلمس الذات البشرية جوهر الحياة وخيالها، أملا في أن تتذوق طعم أن تحيا وتدرك غرابة هذا الكون اللانهائي، غرابة أن تكون قادرة على كل شيء وغير قادرة على أي شيء، غرابةُ الخيال الذي يجمع الناس ببعضها البعض، ليبنيَ الهوية، الثقافة، المعنى، بل المقدس، أو بالأحرى يبنيَ الله. ك.ج 

رائحة أزير و شاي الجبل

صورة
قررا أن يزورا نهرا جباله تقطنها قبائل منذ قرون، قررا ذلك لأنهما يؤمنان أن ما سترى أعينهما هنالك إضاءاتٌ لغموضٍ كبيرٍ يعمُ تفكيرهما حول تاريخ المنطقة وتطورها. استيقظا باكرا وسافرا على متن حافلة تتجه لمدينة الراشيدية، هذه الحافلة معروفة عند الجميع بأنها لا تخذل المسافرين، إنهم يصلون محطاتهم، لكن سرعتها البطيئة تجعل الكل يشعر بأنه لن يصل أبدا. أربعون كيلومترا استغرقت فيها الحافلة حوالي ساعة من الزمن...أخيرا وصلا، لكن لازال أمامهما طريق معبد طويل وجب عليهما أن يتمشياه وذلك ما فعلا، وفي تلك اللحظة بدأت رحلتهما الاكتشافية. قرية بقرية، قبيلة بقبيلة حتى وصلا دوار مدرار حيث فيه سيقضيان قليلا من الوقت راحةً، استعدادا لإتمام الرحلة نحو قرى أخرى كممالك النحل أو النمل مختفية وراء الجبال. كان الدوار مهجورا طيلة النهار، تعجبا كثيرا، أين الجميع؟ في الحقيقة، الجميع ذهب ليبحث عن آخر ما تبقى من أعشاب أزير التي تغطي الجبال، هذه النبتة الجبلية التي أصبحت مصدر رزق بل مصدر ثروة أيضا بالنسبة لأهالي كل القبائل التي تعيش على ضفاف وادي آيت عيسى. ارتاحا لساعات، واستأنفا الرحلة، خطوة بخطوة، جبلا بج...