رسائل كارل جبران: رحلة الجنوب الشرقي

لن أنكر هذا الكم الهائل من الأحلام التي تخترق فكري و أنا أرمي بأنظاري خارج نافذة المقعد الذي يحملني إلى مدينة الدار البيضاء. يا لسخرية المكان و يا لهذا العبث الغريب الذي لا يدفعني إلى رؤية قيمة الأشياء إلا حينما أرحل عنها و أبتعد. كم يوما مر و أنا في هذه البلدة الصغيرة، بني تدجيت، شهرا كاملا؟ كنت أشعر طيلة الوقت بالضجر و الملل، كل ما أنتظره هو متى أرحل، أذهب بعيدا عن التراثي، التقليدي و القديم، بحثا عن الجديد و الحديث. إن الحافلة التي تحملني الآن تحمل كل معاناتي، كل العواصف القوية التي تهب بداخلي، وإن ما يحرك هذه الحافلة الأصيلة بعيدا و بهذه السرعة الفائقة ليس سائقها و لا محركها، بل تناقضاتي، حربي و هذا الصراع الأزلي، إنه السبب وراء هذا التسارع نحو المدن الكبيرة التي لا تعرف شيئا عني و لا أعرف شيئا عنها، بيد أن فيها المستقبل والجدوى، و أحيانا المعنى. بعض العبرات مترددة، أتذرف نفسها أم تبقى على عتبة العيون؟ إنني أجاري الزمن، فبعد غروب الشمس سيعم الظلام في الحافلة و لن أستطيع رؤية بياض الأوراق ف...